تعتبر السيرة النبوية من اهم الدراسات في التاريخ والدين الاسلامي بحيث تدور حول مسيرة النبي محمد ﷺ من دراسة نسبه الى مساره ببداية الدعوة بمكة الى نشاة الدولة الاسلامية بالمدينة وفتح مكة ثم خطبة حجة الوداع ومرضه وايامه الاخيرة وانتقاله الى الرفيق الاعلى. وهنا الباحث او المهتم بالتثقف في دينه يبحث عن اهم المصادر الموثوقة او الكتب التي تعطيه صورة حقيقية للاحداث التي عاشها النبي المصطفى من اجل تبليغ هذا الدين. فهناك العديد من الكتب التي تطرقت لهذا المجال وبالرغم ان الباحث لابد ان لا ينسى ان كل مؤلف يؤخد منه ويرد لكن على العموم لابد بالنهاية من مصادر من اجل الدراسة وكسب المعلومة، وعلى اختلاف الكتب بهذا المجال بين المصادر الاولى التي تنقل لنا الاخبار من الطبقة الاقرب للنبي ﷺ و الكتب التي تليها التي استقت معظم الاخبار المختلفة من رواة متنوعين بين الامصار الاسلامية، ثم الكتب المعاصرة التي وصلها ما حفظه لنا التاريخ من كتب الاولين وتحلل الاخبار المتضاربة بحثا عن الحقيقة. سوف نستعرض لكم اهم الكتب التي تطرقت للسيرة المحمدية.
القرآن الكريم :
عندما يتم التطرق لاهم مصادر السيرة النبوية يتم عرض عدة كتب لعدة مؤلفين بهذا المجال، لكن من المستغرب ان لا يتم التطرق لاهم كتاب في حياة المسلمين والذي ارخ للدعوة المحمدية من بداية الوحي الى نهايته. تطرق القران الكريم الى بداية الوحي و كيف تلقاه خاتم النبيين وايضا الظروف الاجتماعية وحجج اعداء المسيرة المحمدية وكيف عارضوها. بالقران تجد كيف كانت بداية الدعوة “وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ” ثم مختلف المراحل الاخرى من الصدع بالدعوة وابلاغ الوحي وايضا المرحلة المدينة ومرحلة الامر بالقتال مع اعداء الرسالة الذين هموا باخراج الرسول. يصف القران الكريم الحالة النفسية وملابسات عدة احداث كموقعة بدر واحد والعديد من الحروب الاخرى. وصف دقيق لحالة جيش الرسول وكيف كانت تعطى لهم اوامر تحقيق النصر. القران الكريم هو كتاب الهي لا يجامل احدا بحيث يعطي الحقيقة ويبين حال المتخاذلين والمنافقين حول النبي، وكيف كانت هناك فئات تعارض الحق و الاوامر كما لو انهم يساقون للموت.
“كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ” سورة الأنفال : 5-6
وايضا اسباب الهزيمة : “وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ” سورة آل عمران : 152
وايضا العديد من الاحداث الاخرى ووصف الحالة الاجتماعية والسياسية و الاوامر و النواهي. فكتاب الله القرآن الكريم هو اهم مصدر واوثقه لاحداث السيرة النبوية ويعطي الخبر اليقين. لكنه يحتاج لتدبر وصبر من اجل فهم واكتساب المعلومة. وليس لهجر : وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا. الفرقان : 30.
سيرة ابن اسحاق :
يعتبر كتاب محمد بن إسحاق بن يسار المدني في المغازي و السير هو اهم كتاب وصلتنا رواياته في هذا المجال ويصف العديد من الدراسين في هذا المجال ان من اتى بعد ابن سحاق عيال عليه لاستيعابه لتجارب شيوخه ووضعها في كتاب منظم. فرغم انه لم يصلنا الكتاب كاملا الا ان تلامذة ابن اسحاق و التاريخ والمؤرخون نقلوا لنا الروايات التي جمعها حينها ابن اسحاق في السيرة النبوية، واهم من نقل جزءا من مضمون كتاب ابن اسحاق هو ابن هشام.
تميز ابن اسحاق في التحقيق بالروايات ومحاولة استقاء عديد من الاراء في المسالة الواحدة بحيث كانت بعض الملاحظات عنه انه كان يستقي اراء اليهود عن الاحداث التي حصلت بين اسلافهم و بين الرسول في المدينة، يحاول ابن اسحاق ايضا المحافظة على دقة الترتيب الزمني، كما انه يحاول تفسير بعض الايات وفي من نزلت وباي موقعة حدثت الخ. ايضا يحاول احصاء عدد قتلى كل سرية او غزوة ويعد اسماء القتلى ومن قتلهم. و ينقل الاشعار التي وصلته وكان لابن هشام نقد كبير لهذه الاشعار في كتابه.
عاش ابن اسحاق بنهايات العهد الاموي وبداية العهد العباسي واشتهرت سيرته عند العباسيين، وهنا من المهم لطالب العلم ان يعلم ان ابن اسحاق ليس اول من نقل الاخبار او صنف عن السيرة لكن قبله كان العديد من بينهم أبان بن عثمان بن عفان و عروة بن الزبير وشرحبيل بن سعد و عاصم بن عمر بن قتادة و ابن شهاب الزهري وموسى بن عقبة و هشام بن عروة بن الزبير، ومعظم مصنفات هؤلاء العلماء فقدت او لم تصل الينا كاملة الا عن طريق مقتطفات ومقتبسات كتاب السيرة المتاخرة بوسيلة الاسناد، وللكتاب المعاصرين تجميع في هذا المجال على سبيل المثال الدكتور محمد بن محمد العواجي له كتاب حول مرويات الامام الزهري في المغازي، وحفظ لنا التاريخ ايضا اجزاء من كتابات ابن شهاب الزهري في السيرة في مصنف عبد الرزاق، و وصلتنا قطعة صغيرة من كتاب موسى بن عقبة في المغازي.
رغم مدح عديد من العلماء والمحدثين لابن اسحاق لكن كان هناك اعتراضات ونقد ورمي بالتدليس والتشيع والقدر وبانه صدوق يدلس، ومن بين من نقدوا ابن اسحاق نقدا شديدا هو معاصره الامام مالك بحيث وصف ابن اسحاق بانه دجال من الدجاجلة. ورغم هذا الخلاف الذي قد يحدث بين العلماء في ظروف زمنية معينة الا ان طالب العلم مطالب باستقاء المعلومة والتدقيق فيها. وكما اشتهر عن الامام مالك نفسه انه قال “كل يُؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب هذا القبر” .
المغازي لموسى بن عقبة :
عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة. وفي رواية : عليكم بمغازي الشيخ الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي عندنا. – الامام مالك
الامام موسى بن عقبة يعتبر من معاصري ابن اسحاق و الامام مالك. لكن كتابه اصابه ايضا ما اصاب سابقيه في عدم وصول صفحاته الينا كاملة، رغم نقل جمع من العلماء و المحدثين واهل المغازي ان له مؤلف في هذا المجال. تتجلى قيمة هذا الكتاب في قربه لعصر النبي الاعظم حيث (رغم انه لم يتم نقل لنا متى ولد موسى بن عقبة) لكن من المرجح انه بحيز زمني بحدود 68 هجرية، اما وفاته فنقل انها سنة 141ه او 142ه وقيل 135ه.
ينتمي موسى بن عقبة لمدرسة المدينة مثل ابن اسحاق المزداد بها ويروي الاحداث بالاساند و كان من بين من اكثر موسى بن عقبة الرواية عنه هو الزهري ومن المرجح انه استفاد من مواد مكتوبة له. يستشهد موسى بن عقبة بالروايات الشفاهية وبالايات القرانية وكان له اهتمام بالانساب والشهداء و المشاركين في الحروبات. ومقارنة بسيرة ابن اسحاق التي وصلتنا نصوصها بشكل كبير، سواء عن طريق المقتطفات من اصحاب السير والتاريخ او كتاب ابن هشام بعد تنقيحه لسيرة ابن اسحاق. فمغازي موسى بن عقبة لم يصل لنا حولها الكثير. اما منهج موسى بن عقبة فيمكن ان يوصف بانه اقرب لاهل الحديث مع عدم اكثار في الرواية و الزيادات، بينما منهج ابن اسحاق اقرب للمشتغلين بعلم التاريخ و قد تجد عنده الكثير من الشعر الصحيح و الموضوع وبعضا من الاسرائيليات والقصص الشعبي.
روى البخاري عن موسى بن عقبة 90 رواية مسندة بينما مسلم روى عنه 44 رواية و الترمذي 25 رواية، بينما النسائي 8 روايات. وبلغ مجموع رواياته في الكتب الستة وحدها حوالي 202 رواية، اما عند الطبراني في معجمه الكبير فقد اورد عنه 237 رواية. نقلت لنا مصادر التاريخ ان موسى بن عقبة لم يكن من المكثرين في الرواية والزيادات حول الحوادث، كما ان كتابه لم يكن ذو حجم كبير وهناك كتب وتحقيقات ونقولات معاصرة جمعت ما وصلنا تحت كتاب اسمه مغازي موسى بن عقبة.
سيرة ابن هشام
يعتبر ايضا كتاب ابن هشام في السيرة من اهم المصادر التاريخية بهذا الباب، بحيث انه وصلنا كاملا ونقل لنا الكثير جدا من سيرة ابن اسحاق مع تحفظه عن عدم نقل بعض الاخبار والروايات بحيث حسب تصريحه تعقب ما كتبه ابن اسحاق بالتحقيق و التمحيص و التعليق فاختصر وحذف منها ما راى انه يخرج عن اطار السيرة النبوية واضاف اليها بعض الروايات و الاخبار التي وقف عليها.
وهذا تصريحه : “وانا ان شاء الله مبتدئ هذا الكتاب بذكر اسماعيل بن ابراهيم من ولد رسول الله ﷺ من ولده، واولادهم لاصلابهم، الاول فالاول، من اسماعيل الى رسول الله ﷺ، وما يعرض من حديثهم، وتارك ذكر غيرهم من ولد اسماعيل، على هذه الجهة للاختصار، الى حديث سيرة رسول الله ﷺ، وتارك بعض ما يذكر ابن اسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله فيه ذكر، ولا نزل فيه من القران شيء، وليس سببا لشيء من هذا الكتاب، ولا تفسيرا له، ولا شاهدا عليه، لما ذكرت من الاختصار، واشعارا ذكرها لم ار احدا من اهل العلم بالشعر يعرفها، واشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته، ومستقص ان شاء الله ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له، و العلم به.”
ولد ابن هشام بالبصرة ونزل بمصر وقيل انه اجتمع فيها بالامام الشافعي، بينما توفي حوالي سنة 218 هجرية، وكما تطرقنا بالاصل كتابه هو تهذيب لسيرة ابن اسحاق مع اضافات من ابن هشام وشروحات لغوية ونقد للاشعار بسبب انه كان متمكنا من هذا العلم، تغطي سيرة ابن هشام جميع الاحداث المشهورة بالسيرة النبوية، فصفحات هذا الكتاب واخباره عديدة مما يعطي القارئ صورة كاملة لمختلف الروايات لكن من الضرورة اخضاع هذه الروايات لكتاب الله والمنهج النقدي لتمييز الغث من السمين.
الرحيق المختوم، لصفي الرحمن المباركفوري :
هذه المرة ننتقل لكتاب من العصر الحديث، وهو الرحيق المختوم للشيخ صفي الرحمن المباركفوري. بلغ مؤلف هذا الكتاب ما وصلنا من تاريخ الاقدمين وما اختلفوا فيه وايضا ما وصل المعاصرين واولوه. يحاول المباركفوري تنظيم الاحداث بطريقة ممتعة ادبيا باسلوب يتبع فيه منهج « فقه السيرة » لفهم الاحداث التاريخية بطريقة ملائمة لاحداث ومتغيرات العصر وايضا مناسبة لفهم مختلف الطبقات العمرية بما فيها القارئ الناشئ ، دون غوص في الاسانيد.
فاز الكتاب بالجائزة الاولى لمسابقة السيرة النبوية التي نظمتها رابطة العالم الاسلامي الذي عقد بدولة باكستان سنة 1396 هجرية الموافق ل 1976 ميلادي، ومنذ ذلك الوقت انتشر وترجم لعدة لغات وله حضور كبير بمختلف المكتبات العربية سواء الصغيرة منها او الكبيرة. تطرق المباركفوري في مقدمة كتابه ان منهجه في الرحيق المختوم هو سلوك سبيل الاعتدال وتجنب التطويل الممل والايجاز المخل، وانه وجد المصادر تختلف فيما بينها حول الكثير من الاحداث اختلافا لا يحتمل الجمع و التوفيق فاختار سبيل الترجيح واثبت في الكتاب ما ترجح لديه بعد التدقيق في الدراسة و النقد وفضل عدم ذكر الدلائل لان ذلك حسبه سوف يؤدي الى طول غير مطلوب.
اما منهجه في قبول الروايات او ردها فقد اعتمد على ما كتبه الائمة المتقنون حسب وصفه واعتمد على ما حكموا به من الصحة والحسن والضعف. يعتبر كتاب الرحيق المختوم من اهم الكتب المعاصرة حول السيرة النبوية بحيث يجمع فيه الكاتب اهم ما ورد في اخبار التاريخ وكتب الحديث ويرويها بطريقة بلغة ادبية راقية و تحليل سلس.
صحيح السيرة النبوية للشيخ الالباني :
مشروع الشيخ الالباني حول صحيح السيرة النبوية اعتمد فيه على كتاب سيرة رسول الله وذكر ايامه وغزواته وسراياه و الوفود اليه للحافظ ابن كثير، واستدرك فيه على ابن كثير العديد من الاستدراكات الهامة.
لكن قدر الله وما شاء فعل توفي الشيخ الالباني رحمه الله ولم يكمل كتابه هذا. بحيث اخر ما خطه الشيخ الالباني هو بداية التطرق لاخبار حادثة اسراء رسول الله من مكة الى بيت المقدس.
يتميز هذا الكتاب بالتحقيق العلمي للروايات والاشارة الى من رواها في كتب التاريخ وصنعة اهل الحديث، مع تعليقات واضافات الشيخ الالباني، لكن للاسف لم تكتب خاتمة لهذا الكتاب.
كتب اخرى :
هناك العديد من الكتب الاخرى التي تستحق القراءة و الاطلاع لمن يريد مزيد استزادة لوجهات نظر مؤلفين او الاطلاع على اراء تحليلية مختلفة. فالكتب الحديثة تعتني اكثر بالجانب التحليلي وفقه السيرة مع العناية بمناقشة القضايا والبحوث التاريخية المطروحة بهذا العصر ومن بين هذه الكتب المعاصرة كتاب : السيرة النبوية : عرض وقائع وتحليل أحداث لعلي الصلابي و السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة لمحمد ابو شهبة.
هناك ايضا من الكتب المطولة كتاب السيرة النبوية لابن كثير الذي يعتبر جزءا من موسوعته التاريخية المشهورة البداية والنهاية، بحيث ان ابن كثير يعتبر من اهم من جمعوا العلوم التي وصلت القرن الثامن الهجري. هناك ايضا كتاب عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير لابن سيد الناس الاشبيلي من مواليد سنة 671 هجرية. وكتابه هذا من اهم كتب السيرة المعتمدة على وثيق الاخبار، وقال حوله ابن كثير : قد جمع سيرة حسنة في مجلدين.
وتجمع ايضا كتب الصحاح و السنة العديد من اخبار السيرة سواء من الجانب التاريخي او الجانب الفقهي وبها العديد مما يستحق المراجعة و النظر.
اذا هذه هي اهم المصادر والكتب حول السيرة النبوية، فلابد من الانطلاق من كتاب الله من اجل معرفة الخبر اليقين ثم الاستزادة بما اورده علينا التاريخ تحت ضوء كتاب الله، وقراءة ما تواتر من التاريخ واتفق عليه المؤرخون باختلاف مشاربهم، ثم التحقيق فيما انفرد به المؤرخون.
مصادر ونقولات المقالة :
- القرآن الكريم
- سيرة ابن اسحاق تحقيق الدكتور سهيل زكار
- مغازي موسى بن عقبة جمع ودراسة وتخريج محمد باقشيش أبو مالك
- سيرة ابن هشام تحقيق الدكتور عمر عبد السلام تدمري
- كتاب صحيح السيرة النبوية للالباني
- سير اعلام النبلاء للذهبي