بوني غارموس ونجاح رواية دروس في الكيمياء

في عالم الأدب الحديث، من النادر أن تظهر كاتبة برواية أولى وتحدث بها صدى عالمي واسع، لكن هذا بالضبط ما فعلته بوني غارموس (Bonnie Garmus) من خلال روايتها الشهيرة “دروس في الكيمياء” (Lessons in Chemistry). ظهرت غارموس فجأة على الساحة الأدبية، لكنها لم تكن وافدة جديدة على عالم الكتابة. بل كانت تحمل في جعبتها سنوات من الخبرة، وشغفًا قديمًا بالقصص، وطاقة نسوية مشتعلة انعكست في روايتها الوحيدة حتى الآن. في هذه المقالة، نغوص في حياة بوني غارموس، ونتتبع أثر روايتها الأولى، ونحاول أن نفهم لماذا تلامست مع قرّاء من جميع أنحاء العالم.

من هي بوني غارموس؟

بوني غارموس وُلدت في كاليفورنيا، ونشأت في الولايات المتحدة. على الرغم من أنها لم تبدأ ككاتبة روائية، إلا أن غارموس كانت دائمًا قريبة من الكتابة. عملت لسنوات طويلة كمؤلفة نصوص إعلانية وكاتبة محتوى في مجالات متعددة، بما في ذلك التكنولوجيا والتعليم والصحة.

قبل أن تصدر روايتها الأولى، كانت بوني تعمل في مجال الإعلان، وكتبت خلال هذه المرحلة آلاف النصوص لحملات دعائية. ربما لا تبدو هذه الخلفية أدبية تقليدية، لكنها ساعدتها على فهم الجمهور، ومعرفة كيفية صياغة الأفكار بقوة وإيجاز.

في مقابلاتها، تتحدث غارموس عن إحباطات متكررة في نشر الرواية، وتجارب رفض استمرت طويلاً. لكنها لم تستسلم، بل كتبت وأعادت الكتابة، حتى ولدت رواية “دروس في الكيمياء” في لحظة من الغضب بعد اجتماع عمل لم تُسمع فيه كصوت نسائي. وها هي اليوم تتربع على قوائم الكتب الأكثر مبيعًا.

دروس في الكيمياء: رواية نسوية بقالب علمي

تدور أحداث الرواية في الستينيات من القرن العشرين، وتتناول حياة إليزابيث زوت، عالمة كيمياء طموحة تجد نفسها محاطة بمجتمع ذكوري لا يعترف بقدرات النساء. بعد أن تُجبر على مغادرة مختبرها بسبب التحيّز الجنسي، تتحول إلى مقدّمة برنامج طبخ على التلفزيون، لكنها لا تتخلى عن العلم. بل تُحوّل البرنامج إلى دروس في الكيمياء والحياة، وتلهم آلاف النساء.

إليزابيث ليست شخصية تقليدية. إنها ذكية، جادة، ومباشرة. ترفض القوالب النمطية، وتُصرّ على أن تكون هي نفسها، حتى لو دفعت الثمن. ومن خلال هذه الشخصية، تناقش غارموس قضايا مثل:

  • التمييز بين الجنسين في أماكن العمل
  • الصراع بين الموهبة النسائية والتقاليد الاجتماعية
  • الأمومة والهوية الفردية
  • العلم كأداة للتمكي

صدرت الرواية عام 2022، وسرعان ما حققت شهرة واسعة. تُرجمت إلى أكثر من 35 لغة، وتصدّرت قوائم الكتب الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا. كذلك، أُنتجت عنها سلسلة تلفزيونية من إنتاج Apple TV+، ما زاد من شهرتها وانتشارها.

أسلوب الكتابة: بين السخرية والجدية

بوني غارموس تكتب بأسلوب فريد. تمزج بين الجدية الموضوعية – خصوصًا في تناول مواضيع مثل التمييز الجنسي – وبين لمسات من السخرية الهادئة التي تخفف من حدة النص. تحضر اللغة العلمية بشكل غير متوقع في الرواية، لكنها لا تنفّر القارئ، بل تُضيف بعدًا جديدًا للشخصية.

اللغة بسيطة لكن قوية. الحوارات عميقة لكنها طبيعية. السرد متنقل بين شخصيات مختلفة، ويمنح القارئ رؤية شاملة لما يدور حول البطلة.

ما قول النقاد؟

تلقت الرواية إشادة كبيرة من النقاد. وصفتها صحيفة “نيويورك تايمز” بأنها “رواية ذكية وممتعة وذات طابع نسوي صريح”، بينما قالت مجلة Time إن إليزابيث زوت هي من “أقوى الشخصيات النسائية في الأدب الحديث”.

ورغم كل المديح، لم تخلُ الرواية من الانتقادات. رأى بعض القراء أن الشخصيات الثانوية لم تكن بعمق الشخصية الرئيسية، وأن بعض الأحداث بدت مثالية أكثر من اللازم. لكن هذه الانتقادات لم تؤثر على الحفاوة العالمية التي استقبل بها القراء الرواية.

لماذا أحبها القراء؟

القراء أحبوا بوني غارموس لأنها كتبت شيئًا حقيقيًا. كتبت عن الغضب الذي تشعر به النساء حين يُقلل من شأنهن، عن الشكوك التي تراود الأمهات، وعن الطموح الذي يُقابل أحيانًا بالرفض.

روايتها لا تتحدث فقط عن النساء، بل عن الكرامة. عن ألا نرضى بالقليل، وألا نتخلى عن شغفنا، حتى لو قال لنا الجميع إنه غير منطقي.

الكتابة بعد الخمسين: لا عمر للموهبة

واحدة من الجوانب الملهمة في قصة بوني غارموس هي أنها أصدرت روايتها الأولى في الستين من عمرها. في عالم يميل إلى تمجيد الشباب، تُذكّرنا غارموس أن الإبداع لا يعرف عمرًا. وأننا يمكن أن نعيد اختراع أنفسنا في أي لحظة.

هذه الرسالة بحد ذاتها جعلت العديد من القراء والكاتبات – خصوصًا النساء – يشعرن بالأمل

تأثير الرواية في المجتمع

لم تكن “دروس في الكيمياء” مجرد رواية ممتعة، بل أصبحت نقطة انطلاق لحوارات نسوية في العديد من الدول. نظّمت نوادٍ للقراءة جلسات حول الرواية، وتحدثت مجموعات نسائية عن كيفية تكرار نفس المشكلات التي عاشتها إليزابيث في الستينيات حتى اليوم.

كما شجعت الرواية الكثير من الفتيات على الاهتمام بالعلوم، وطرحت صورة مغايرة للمرأة العالمة، بعيدًا عن الصور النمطية في الإعلام.

أعمال مستقبلية: ماذا بعد؟

حتى كتابة هذا المقال، لم تُصدر بوني غارموس رواية ثانية، لكنها أكدت في أكثر من مقابلة أنها تعمل على مشروع جديد. العالم ينتظر بشغف ليعرف إن كانت روايتها القادمة ستنجح في مضاهاة “دروس في الكيمياء“، أو ربما تتفوق عليها.

اخيرا لماذا تستحق بوني غارموس هذا الاهتمام؟

لأنها كتبت رواية صادقة، جريئة، ومليئة بالشخصيات الحقيقية. لأنها أثبتت أن الإبداع لا يتطلب خلفية أكاديمية أدبية، بل حسًا إنسانيًا عميقًا، وتجربة حياتية صلبة. ولأنها، ببساطة، جعلت من الكيمياء دروسًا في الحياة، الطموح، والمقاومة.

بوني غارموس ليست مجرد كاتبة صاعدة، بل هي صوت جديد في الأدب النسوي الحديث، ووجهٌ أدبيٌ يُنتظر منه الكثير. وروايتها الأولى كانت أكثر من نجاح: كانت ثورة هادئة في قلب الرواية المعاصرة.

مصادر ونقولات المقالة :

  • مقابلات مع بوني غارموس في نيويورك تايمز وBBC
  • مراجعات النقاد في Guardian وTime
  • Apple TV+ – معلومات السلسلة المقتبسة عن الرواية