دعاء عبد الرحمن بين الإبداع والرسائل الإنسانية في عالم الرواية

دعاء عبد الرحمن هي واحدة من أبرز الكاتبات المصريات في العصر الحديث، وُلدت ونشأت في محافظة الجيزة بمصر، حيث عاشت طفولتها في بيئة مصرية محافظة. منذ صغرها كانت شغوفة بالقراءة والكتابة، وقد ظهرت موهبتها مبكرًا في صياغة القصص القصيرة والمقالات الأدبية. درست في كلية التجارة وتخرّجت منها، لكنها لم تتوقف عند مجال دراستها الأكاديمي، بل واصلت تطوير موهبتها الأدبية من خلال قراءة الروايات العالمية والعربية، والاطلاع على فنون السرد والحوار. كان شغفها بالأدب وسيلة للتعبير عن أفكارها ومعتقداتها، وقد انعكس ذلك في أسلوبها المتميز الذي يجمع بين الواقعية الاجتماعية والجانب الرومانسي والإيماني.

أبرز رواياتها :

1- مع وقف التنفيذ

تُعد هذه الرواية من أشهر أعمال دعاء عبد الرحمن وأكثرها تأثيرًا، حيث تناقش قضايا الزواج القسري والإجبار العائلي بأسلوب إنساني عميق. البطلة تُجبر على الزواج من شخص لا تحبه، وتجد نفسها في صراع بين واجب الطاعة العائلية ورغبات قلبها. الرواية لا تكتفي بعرض القصة كحكاية رومانسية، بل تسلط الضوء على الضغوط الاجتماعية والنفسية التي تواجه المرأة في مثل هذه المواقف، مع رسائل ضمنية عن الصبر والإيمان بقدرة الله على تغيير الأقدار. ما يميزها هو التدرج الدرامي الذي يحافظ على شد انتباه القارئ حتى الصفحة الأخيرة.

2- ولا في الأحلام

رواية ذات طابع واقعي قوي، حيث تتناول قضايا الزواج، الطموح، والواقع المادي الذي يفرض نفسه على العلاقات الإنسانية. البطلة هنا تحاول التوفيق بين أحلامها الكبيرة وظروفها المعيشية الصعبة، بينما تواجه عقبات تتعلق بالثقة والخيانة. الرواية مليئة بالتحولات الدرامية، وتكشف عن قدرة الكاتبة على الغوص في أعماق النفس البشرية. أسلوب السرد المشوق يجعل القارئ يعيش كل مشهد وكأنه يشاهده أمامه.

3- وقالت لي

رواية “وقالت لي” تمثل انعكاسًا مباشرًا لقدرة دعاء عبد الرحمن على الغوص في أعماق النفس البشرية، وتحليل المشاعر المتناقضة التي قد تجتمع في قلب واحد. بأسلوبها السلس ولغتها العاطفية القوية، نسجت الكاتبة حكاية تمس القارئ في وجدانه، حيث تدور أحداث الرواية حول رحلة بطلة تعيش صراعًا بين ما تريده وما تفرضه عليها الحياة، لتتوالى الأحداث في مزيج من الألم والأمل. لا تعتمد الرواية فقط على السرد المشوق، بل تحمل في طياتها رسائل إنسانية عن الصبر والإيمان والتغيير، وهو ما جعلها تترك أثرًا عميقًا لدى القراء.

4- ولو بعد حين

“ولو بعد حين” من تلك الأعمال التي تؤكد إيمان دعاء عبد الرحمن بأن العدالة وإن تأخرت، فإنها قادمة لا محالة. في هذه الرواية، تقدم الكاتبة حبكة مشوقة، حيث تتشابك الخيوط بين الماضي والحاضر، وتكشف الحقائق على مهل بأسلوب مثير. تتناول الرواية قضايا اجتماعية حساسة، وتعرض معاناة شخصياتها بأسلوب إنساني راقٍ يجعل القارئ متعاطفًا مع كل تفصيلة. اللغة الهادئة الممزوجة بالتوتر الدرامي تجعل القارئ مشدودًا من الصفحة الأولى وحتى الأخيرة، في رحلة من الألم، الانتظار، والانتصار في النهاية.

5- داو إلا قليلا

في “داو إلا قليلا”، اختارت دعاء عبد الرحمن أن تتناول موضوع الجراح التي لا تُرى بالعين، وإنما تسكن الروح. العنوان وحده يحمل دلالة عميقة عن الألم المستمر والشفاء الناقص، لتدخل الكاتبة من خلاله إلى عالم الشخصيات التي تعاني من صدمات وأحداث شكلت حياتها. تتنقل الرواية بين لحظات الانكسار ومساعي الترميم النفسي والروحي، مع تسليط الضوء على دور الإيمان والعلاقات الإنسانية في إعادة التوازن. أسلوب الرواية يجمع بين الحزن النبيل والأمل الخفي، مما يجعلها قطعة أدبية مؤثرة للغاية.

6- قلب الطاووس

“قلب الطاووس” عمل يفيض بالرمزية، حيث استوحت دعاء عبد الرحمن من جمال الطاووس وكبريائه لتبني قصة تعكس الصراع بين المظهر البراق والجوهر الحقيقي. تدور أحداث الرواية في إطار إنساني واجتماعي، حيث تواجه البطلة مفاهيم مغلوطة عن الحب، الجمال، والكرامة. بأسلوبها المرهف، تكشف الكاتبة عن أن الحقيقة ليست دائمًا كما تبدو على السطح، وأن القلب قد يحمل من المشاعر ما هو أعمق وأصدق من أي مظهر خارجي. هذه الرواية تُشبه مرآة تعكس للقارئ حقيقة النفس البشرية بكل تناقضاتها.

7- بين الأساطير

“بين الأساطير” هي مغامرة سردية مختلفة في مسيرة دعاء عبد الرحمن، حيث مزجت بين الخيال والأسلوب الواقعي الذي يميزها. تنقل الرواية القارئ إلى عالم تتداخل فيه الحقيقة بالأسطورة، لتطرح تساؤلات عن الإيمان، القدر، والمعنى الحقيقي للقصص التي تتناقلها الأجيال. من خلال أحداث مشوقة، استطاعت الكاتبة أن تحافظ على ذلك الخيط الإنساني العاطفي الذي يربط القارئ بالشخصيات، حتى في أكثر اللحظات غرابة. الرواية ليست مجرد حكاية، بل هي تجربة فكرية وشعورية تعيد صياغة علاقتنا بما نسمع ونؤمن به.

الجوائز والتقدير :

على الرغم من أن دعاء عبد الرحمن لم تلاحق الجوائز كهدف رئيسي، فإنها حظيت باهتمام واسع من القراء والنقاد على حد سواء. أعمالها دائمًا ما تتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعًا في المعارض العربية، وخاصة معرض القاهرة الدولي للكتاب، كما تحظى بانتشار كبير على مواقع القراءة الإلكترونية.

خاتمة :

برأيي، ما يميز دعاء عبد الرحمن عن غيرها من الكاتبات هو قدرتها على الجمع بين القيم الأخلاقية والأحداث المشوقة في قالب روائي سلس. رواياتها ليست مجرد قصص حب أو دراما اجتماعية، بل هي دعوة للتفكير وإعادة النظر في مفاهيم الحياة، العلاقات، وحتى الإيمان. أسلوبها الإنساني الصادق يجعل القارئ يشعر بأنه جزء من الحكاية، وأن كل مشهد وكلمة يمكن أن تعكس جانبًا من حياته. يمكن القول إن دعاء عبد الرحمن استطاعت أن تخلق لنفسها مكانة خاصة في عالم الأدب العربي، بفضل إخلاصها لرسالتها وإيمانها بقوة الكلمة في التغيير.