قراءة نقدية في أطروحات دولوريس كانون وسلسلة الكون الملتوي

تعد سلسلة الكون الملتوي (The Convoluted Universe) من أشهر أعمال الباحثة الأمريكية دولوريس كانون (Dolores Cannon)، التي اكتسبت شهرة واسعة في مجال التنويم المغناطيسي العميق واكتشاف أسرار الوعي والوجود من خلال جلسات التنويم التي أجرتها على مدار عدة عقود. تعرض السلسلة مجموعة من الأطروحات غير التقليدية حول طبيعة الكون، تعدد الأبعاد، أصل الإنسان، والواقع باعتباره متغيرًا قائمًا على الوعي. لكن، مع ذلك، لم تخلُ هذه الأطروحات من انتقادات من قبل المجتمع العلمي والفلسفي، لا سيما فيما يتعلق بمنهجية البحث والمصادر.

في هذا المقال، سنقدم عرضًا علميًا ومنهجيًا لأبرز أطروحات دولوريس كانون في “الكون الملتوي”، مع نقد موضوعي يوازن بين مساهمات السلسلة وإشكالياتها العلمية.

أطروحة دولوريس كانون في سلسلة الكون الملتوي

1. منهجية التنويم المغناطيسي الكمي (QHHT)

تعتمد كانون في سلسلة الكون الملتوي على تقنية التنويم المغناطيسي الكمي (Quantum Healing Hypnosis Technique)، وهي شكل من أشكال التنويم العميق الذي يسمح للمُتنوم عليه بالوصول إلى ما تسميه “الوعي الكوني” أو “العقل الأعلى”. عبر هذه التقنية، يسترجع الأشخاص ذكريات من حياة سابقة، ويقدمون رؤى عن طبيعة الكون وأكوان موازية وكائنات متعددة الأبعاد.

تُعتبر هذه الطريقة مركزية في العمل البحثي لكانون، حيث تستند معظم المعلومات إلى روايات وتجارب شخصية، وليس إلى معطيات قابلة للقياس أو التجربة في المختبر.

2. الكون متعدد الأبعاد والأكوان المتوازية

تؤكد السلسلة أن الكون ليس أحادي البعد بل متعدد الأبعاد، حيث تتداخل وتتفاعل أكوان متعددة تتواجد بالتوازي مع عالمنا المادي. يمكن للوعي أن يتنقل عبر هذه الأبعاد، وبعض الأرواح المتطوعة تأتي من أبعاد عليا أو كواكب أخرى لمساعدة الأرض على التحول الروحي.

3. زمن غير خطي وحيوية الأرض

تطرح كانون فكرة أن الزمن ليس خطيًا كما نتصوره، بل هو “ملتوي” ومُتغير بحسب حالة الوعي. كما ترى الأرض ككائن حي يتمتع بوعي قادر على التفاعل والتطور، وهو ما يشير إلى فكرة “الأم الأرض” أو غايا.

4. أصل الإنسان وتاريخ الأرواح

تستعرض السلسلة نظريات حول أصل الإنسان، حيث أن أصولنا ليست فقط على الأرض، بل لدينا جذور في كواكب وأبعاد أخرى. كما تتناول دور الأرواح المتطوعة التي تختار أن تتجسد على الأرض بهدف رفع الوعي الجمعي، وتشارك في التحولات الكونية.

5. دور الوعي في خلق الواقع

أحد أبرز الأفكار في “الكون الملتوي” هو أن الوعي هو القوة الأساسية التي تشكل الواقع المادي، وأن المادة في جوهرها عبارة عن طاقة واعية متحولة. بهذا المعنى، يصبح الإنسان شريكًا فاعلًا في تشكيل عالمه ومستقبله من خلال قوة تفكيره وتركيزه.

النقد العلمي والفلسفي لأطروحات دولوريس كانون

نقص التوثيق العلمي والتجريبي

من أبرز الانتقادات الموجهة لسلسلة الكون الملتوي هو اعتمادها الكلي تقريبًا على روايات شفوية تم جمعها عبر جلسات التنويم المغناطيسي. هذه الشهادات ذات طبيعة ذاتية، ولا تخضع لمعايير البحث العلمي التي تتطلب التكرار، والموضوعية، والتجربة.

بحسب الفلسفة العلمية، الأفكار التي لا يمكن اختبارها أو تفنيدها تجريبياً تُصنف غالبًا ضمن نطاق الميتافيزيقا أو المعتقدات الشخصية، وليس العلم.

مشكلة التأويل والذاكرة الزائفة

علم النفس الحديث يشرح أن التنويم المغناطيسي قد يسبب ظاهرة “الذاكرة الزائفة” (False Memory)، حيث قد يختلط على المتنوم عليه الواقع بالخيال أو تصنع العقل ذكريات غير حقيقية أو مركبة. هذا يعقد إمكانية قبول المعلومات المستقاة من الجلسات كحقائق موضوعية.

الغموض والعمومية

غالبًا ما تستخدم السلسلة لغة رمزية أو عمومية تجعل من الصعب التحقق من صحة المعلومات أو معادلتها مع معطيات علمية معروفة. كما أن بعض الأفكار (مثل السفر عبر الأبعاد أو وجود أرواح متطوعة من كواكب أخرى) لا تتوفر حاليًا على أدلة فيزيائية أو فلكية تدعمها.

تأثير السياق الثقافي والذاتي

لا يمكن فصل تجارب التنويم المغناطيسي عن السياق الثقافي والفردي لكل شخص. ما قد يراه البعض رؤية عميقة، يراه آخرون تركيبًا للمعرفة الثقافية والدينية والشخصية التي يحملها المتنوم.

قضايا فلسفية: العلم مقابل الميتافيزيقا

الأفكار التي تعرضها كانون تقع في منطقة التداخل بين العلم والميتافيزيقا، مما يطرح أسئلة فلسفية حول ماهية المعرفة وكيفية تصنيفها. هل تُعتبر هذه الروايات حقائق علمية، أو مجرد سرديات ذات قيمة روحية وشخصية؟ هذا سؤال لا يزال مفتوحًا للنقاش.

خلاصة

تمثل سلسلة الكون الملتوي تجربة فريدة في مجال البحث الروحي والمعرفي، إذ تفتح أبوابًا لأفكار غريبة وجديدة حول الكون والوعي والإنسان. تقدم دولوريس كانون نموذجًا معرفيًا غير تقليدي يعتمد على التنويم المغناطيسي العميق للوصول إلى ما هو أبعد من المادي.

مع ذلك، تظل الأطروحات المقدمة تواجه تحديات كبيرة في إطار المنهج العلمي الحديث، سواء من حيث التحقق التجريبي أو التحليل النفسي لتجارب التنويم. ولذلك، يُنصح بأن تُقرأ هذه الأعمال على أنها مصدر إلهام واستكشاف روحي وفكري لاسئلة وافكار باحثة، وليس كحقائق علمية محكمة.

في عالم سريع التغير، وبين ضباب المعرفة والشك، تبقى تجربة قراءة مثل الكون الملتوي مثيرة للاهتمام لعشاق النظريات الغير تقليدية حول العالم والتي ربما ببعض الاحيانا لا تبنى على اسس علمية او مشتركة، لكنه تبقى اسئلة مشروعة من الباحثة دولوريس كانون وليس بالضرورة ان نصدق كل ما نقراه وهذا ينبطق على اي شخص او مجال.

مصادر المقالة :

  • Loftus, E. F. (1997). Creating false memories. Scientific American, 277(3), 70-75.
  • French, C. C., & Wilson, K. (2007). Cognitive factors in belief in the paranormal. In The psychology of paranormal belief (pp. 25-43).
  • Popper, K. (1959). The Logic of Scientific Discovery. Routledge.
  • Targ, R., & Katra, J. (1998). Miracles of Mind. New York: Villard Books. (نقد على التجارب النفسية غير الموثقة)
  • Sagan, C. (1996). The Demon-Haunted World: Science as a Candle in the Dark. Random House.