من هو إبراهيم عباس؟ وما هي أبرز رواياته؟

إبراهيم عباس كاتب سعودي برز اسمه في السنوات الأخيرة كأحد أبرز كتّاب الرواية الخيالية العربية. ما يميز مسيرته أنه لم يأتِ من خلفية أدبية تقليدية، بل بدأ حياته المهنية في مجال الدعاية والإعلان والتسويق. لم يكن يتخيل أنه سيصبح يومًا ما روائيًا يقرأ له الآلاف وتُترجم أعماله إلى شاشات السينما. ولكن كما يقول هو نفسه، جاءت الكتابة في البداية كصدفة، ثم تحولت إلى شغف، ثم أصبحت جزءًا من حياته اليومية.

إبراهيم عباس لم يكن يخطط لأن يكون كاتبًا محترفًا. كان يحب أن يكتب أفكاره بشكل عفوي، على الورق أو على لوحة المفاتيح، ويرسم من خياله شخصيات وعوالم مختلفة. لكن في عام 2007 كتب مسودة أول رواية له بعنوان حوجن، وبقيت هذه المسودة دون نشر لمدة خمس سنوات. ثم شاءت الظروف أن تُنشر الرواية أخيرًا في عام 2012، لتكون المفاجأة: الرواية تلقى رواجًا كبيرًا، وتحقق مبيعات عالية على متجر أمازون، وتنتشر بسرعة بين القراء العرب، وخصوصًا فئة الشباب.

حوجن : رواية من منظور مختلف

رواية حوجن هي نقطة التحول في مسيرة إبراهيم عباس. وهي ليست رواية عن الجن كما نعرفهم في القصص الشعبية، بل هي رواية تتحدث عن الجن من وجهة نظر الجن أنفسهم.

الشخصية الرئيسية في الرواية هو حوجن، جني شاب عمره لا يتجاوز المئة عام، لكنه يعيش حياة تشبه كثيرًا حياة البشر. يمتلك مشاعر، طموحات، وأسئلة كثيرة حول العالمين: عالم البشر وعالم الجن. ومن خلال قصة حب تربطه بفتاة بشرية تُدعى “الزهراء”، تبدأ الرواية في الغوص في موضوعات مثل الفروقات بين العالمين، النظرة الاجتماعية، الماديات، والقدر.

إبراهيم عباس شبّه علاقة حوجن بالزهراء بعلاقته الخاصة بوالدته – رحمها الله – مما يدل على أن الرواية تحمل جانبًا عاطفيًا وشخصيًا عميقًا.

الرواية مكتوبة بأسلوب بسيط وسلس، ولكن فيه شيء من التشويق السينمائي، لأن إبراهيم عباس يحب السينما، وكان يكتب وكأنه يكتب مشاهد فيلم، وليس صفحات كتاب فقط. وقد تحوّلت الرواية لاحقًا إلى فيلم سينمائي سعودي، مما عزز من شهرتها وانتشارها.

المتمغنطون : صدمة بين العصور

بعد نجاح حوجن، كتب إبراهيم عباس رواية جديدة بعنوان المتمغنطون، وهي رواية تختلف في موضوعها لكنها لا تقل خيالًا وابتكارًا.

تدور القصة حول ثلاثة أشخاص من العصر الحديث، يتم تنويمهم مغناطيسيًا، فيبدؤون في الاعتقاد بأنهم شخصيات تاريخية: جحا، الجاحظ، والأشعب. ومن هنا تبدأ المفارقات الكوميدية والفكرية، حيث يعيش هؤلاء “المتمغنطون” في عصر الإنترنت والتكنولوجيا، بينما عقولهم لا تزال في القرون الماضية.

الرواية تُظهر الفرق الكبير بين الماضي والحاضر، وتُناقش موضوعات مثل الهوية، الثقافة، والانتماء. بأسلوب يجمع بين الطرافة والتأمل، يضعنا إبراهيم عباس أمام تساؤل: ماذا لو عاد حكماء الماضي ليعيشوا بيننا؟ هل سيصمدون أمام تعقيدات الحياة الحديثة؟

المتمغنطون قصة صدمة حضارية، لكنها تفتح الباب لفهم جذورنا الثقافية في زمن السرعة والتطور الرقمي.

بنيامين : بين الجنون والعبقرية

من بين أعماله الأهم أيضًا، نجد رواية بنيامين، وهي واحدة من أكثر رواياته غرابة وتشويقًا. في هذه الرواية، يروي لنا قصة فتى عبقري يُدعى بنيامين، يعيش في عالم خاص به، ويملك قدرة فريدة على فهم الأمور من زوايا غير تقليدية.

الرواية تتناول موضوعات مثل العبقرية، العزلة، الجنون، والهوية. وتُظهر كيف يمكن للإنسان أن يكون مختلفًا لدرجة أن لا أحد يفهمه، وأحيانًا لا يفهم هو نفسه.

بنيامين ليس شخصية عادية، بل هو تمثيل لحالة إنسانية عميقة: الإنسان الذي يرى العالم بشكل مختلف، ويعاني من ذلك. ما يميز الرواية هو طريقتها في عرض القصة من وجهة نظر بنيامين، بحيث يشعر القارئ وكأنه داخل عقل الشخصية، يعيش أفكاره ومخاوفه.

الرواية ليست فانتازيا صرفة، ولكنها تدمج بين الخيال والواقع النفسي، وتطرح أسئلة عن من نحن، وكيف نُعرّف أنفسنا، وما الفرق بين العبقرية والجنون.

رواية هناك : سؤال الوجود والبحث عن المعنى

رواية هناك تُعد من أكثر أعمال إبراهيم عباس نضجًا، وهي رواية تتناول موضوعًا وجوديًا عميقًا بطريقة بسيطة ومؤثرة. تدور القصة حول رحلة شاب يبحث عن الهدف من وجوده، ويخوض في مغامرة فكرية وروحية داخل عالم غريب ومليء بالرموز.

الرواية تطرح سؤالًا وجوديًا لطالما شغل الإنسان: “لماذا نحن هنا؟”، ولكنها لا تفعل ذلك بطريقة فلسفية ثقيلة، بل بأسلوب رمزي وسلس.

في “هناك”، نجد شخصية تبحث عن ذاتها، وتنتقل من مرحلة الشك إلى الإيمان، ومن الغربة إلى الفهم، في رحلة تشبه كثيرًا رحلة الإنسان في الحياة.


إبراهيم عباس حاول في هذه الرواية أن يخرج عن المألوف، ويأخذ القارئ في رحلة داخلية تأملية، لكنها أيضًا مليئة بالأحداث والتقلبات التي تُبقي القارئ مشدودًا حتى النهاية.

أسلوب إبراهيم عباس في الكتابة

أسلوب إبراهيم عباس يتميز بالبساطة والوضوح، لكنه يحمل في طياته خيالًا غنيًا وأفكارًا عميقة. هو لا يستخدم اللغة المعقدة أو المصطلحات الثقيلة، بل يُفضّل الأسلوب القريب من الناس، القادر على الوصول إلى القراء من مختلف الأعمار والخلفيات.

كما أن خلفيته في مجال الإعلان والتسويق، وشغفه بالسينما، جعلا كتابته تشبه السيناريو السينمائي، حيث تتوالى المشاهد بسرعة، وتُرسم الشخصيات بوضوح، وتُحاك الحوارات بطريقة حيوية.

أيضًا، هو يؤمن أن الكاتب يجب أن “يعيش” مع شخصياته، أن يتقمّصها ويتخيل نفسه مكانها، وهذا ما يجعله يكتب بقلبه وشغفه لا بقلمه فقط.

خلاصة

إبراهيم عباس كاتب دخل عالم الروايات بالصدفة لكن شغفه وابداعه وعمله الجاد جعله يفرض نفسه، ليثبت أن الخيال والموهبة يمكن أن يصنعا فرقًا كبيرًا. رواياته ليست فقط مجرد حكايات للترفيه، بل هي تجارب فكرية خيالية وإنسانية تمسّ القارئ في الداخل.

من رواية حوجن التي حاولت الدخول لعالم الجن بمنظورهم، إلى متمغنطون التي طرحت صدمة التقدم، وبنيامين التي تناولت عزلة العباقرة، وهناك التي حملت تساؤلات الوجود… إبراهيم عباس يُقدّم أدبًا خياليًا لكن بجذور إنسانية صادقة. إذا كنت من محبي الروايات التي تغوص في اعماق الخيال، فربما تجد في كتب إبراهيم عباس ما يُشبهك.